نشأة الإذاعة :-
أنشأ المستعمر الإنجليزي الإذاعة السودانية في الثاني من مايو 1940م إبان الحرب العالمية الثانية من المال المخصص للدعاية للحلفاء في حربهم مع دول المحور واختيرت لها غرفة صغيرة بمباني البوسنة القديمة بأم درمان تبلغ مساحتها 12 متراً (3×4) وبجانبها حجرة أخرى مساحتها ستة أمتار(3 × 2) تستخدم للمراقبة بالإضافة إلى غرفة أخرى في نفس الموقع تحوي جهازي الإرسال أحدهما على الموجة المتوسطة 524 متراً والآخر على الموجة القصيرة 31 متراً.. أما الجمهور الذي لا يملك أجهزة راديو وهم كثر فقد كانوا يأتون بانتظام مساء كل يوم إلى ميدان البوستة ليستمعوا إلى الإذاعة من خلال مكبرات الصوت المثبتة على سطح المبنى والموجهة نحو الجمهور وكانت تبث نصف ساعة يومياً في بداياتها اقتضت الظروف الداعية إلى تطوير خدمات راديو أم درمان والتي لم تعد تسعها تلك المساحة الضيقة في مكتب بريد أم درمان الانتقال إلى مكان أرحب وأوسع .. فانتقلت عام 1943م إلى منزل مولانا حسن الطيب هاشم المجاور للجزء الجنوبي من جامع الخليفة وشرق حي الهاشماب وقد أدخلت على تصميم البيت – وهو منزل عادي وتقليدي- تعديلات جوهرية ليكون صالحاً للبث الإذاعي وما يتطلبه ذلك من تصميمات هندسية تناسب المهمة الجديدة .
الغرفة الرئيسية: خصصت لتكون أستوديو لإذاعة الأخبار والأحاديث والتعليقات.
الغرفة الثانية: خصصت للغناء والموسيقى والدوبيت والبرامج الدرامية الخفيفة (اسكتشات) والمنولوجات وبينهما حجرة مراقبة صغيرة. الغرفة الثالثة: حوت جهازين للتسجيل على الاسطوانات حيث لم يكن التسجيل على الشريط متاحاً لعدم اختراع الشريط ذلك الزمان بل تم ذلك في الخمسينات .
الغرفة الرابعة: استغلت كمستودع لآلات الاوركسترا ومخزن للاسطوانات المسجلة.
الغرفة الخامسة: فقد كانت للإدارة و بها تلفون ويستغلها نائب مراقب الإذاعة.
يتضح من هذا الوصف للمنزل المستأجر وما جرى عليه من تعديلات جوهرية أنه مقر متواضع بل ومتخلف لجهاز دقيق وحساس كالإذاعة، إذ لم يكن فيه تكييف ومعالجة صوتية مناسبة بل كانت الأصوات التي تنبعث من النطاق المحيط بالإذاعة كزقزقة العصافير ونهيق الحمير تختلط أحياناً بأصوات المغنيين أو الذين يؤدون فقرات الدوبيت بل كان مألوفا أن الضجيج أنواع، بعضه مقبول والبعض الآخر منكر ومزعج وفي كلا الحالتين فقد كان شراً لابد منه إذ يظل أمر فتح الأبواب والنوافذ في أستوديو الحفلات حتمياً ولا فكاك منه ولامناص“.
صورة للمنزل الذي كان مقراً للإذاعة السودانية في الهاشماب
استمر الوضع على ذلك إلى أن انتقلت الإذاعة إلى مبناها الحالي في عام 1957م وهو مبنى يتميز بمعايير البنية الأساسية للراديو في ذلك الزمان من حيث المعدات والأدوات التي حواها وعدد الاستوديوهات ومواصفاتها الفنية المتطورة ومكاتب الإدارة والمذيعين والأقسام الخاصة بالبرامج والأخبار والتنسيق والمكتبة وغير ذلك من مفردات ومكونات محطات الراديو المتعارف عليها ”ولكن هناك عيباً أساسياً في المبنى من ناحية التنفيذ الهندسي حيث اخطأ المنفذون في تحديد اتجاه المبنى فأصبحت واجهته متجهة إلى الغرب بدل أن كان مفروضا أن تتجه إلى الشمال الأمر الذي سبب ضيقا لمستخدمي مكاتب الإدارة والمذيعين حيث ينعدم تيار الهواء“ .
صورة لمبنى الإذاعة السودانية حالياً
بعد أن وضعت الحرب أوزارها أوقف الحلفاء الميزانية التي كانت تخصصه للدعاية وكادت أن تتوقف الإذاعة بدعوى خروج بريطانيا منهكة مالياً من الحرب وبعد محاولات ناجحة عاد مستر (ايفانس Evans أحد مسؤولي الإدارة البريطانية بالخرطوم) ليبشر السودانيين بموافقة حكومته على تصديق ميزانية الإذاعة من السلطات الاستعمارية في البلاد وبذلك أصبحت ميزانيتها تابعة لأول مرة لحكومة السودان حتى تكون بوقاً للاستعمار وحرباً على الاتجاهات الوطنية الناشئة في ذلك الحين والداعية إلى التحرر وحق تقرير المصير وظل الحال هكذا إلى آن وقعت اتفاقية القاهرة في 13 فبراير 1953م والتي نال السودان استقلاله بمقتضاها فيما بعد . 1-2: استوديوهات الإذاعة : بنيت أربعة استوديوهات كبيرة عند افتتاح الإذاعة وكانت تكفي آنذاك لتلبية متطلبات العمل سميت بالأبجدية الانجليزية A,B,C,E حتى العام 1976 حيث افتتحت أربعة استوديوهات أخرى حملت اسم (كرومه), (خليل فرح), (سرور), (عائشة الفلاتية) واستمرت حتى العام 1977 ليزداد العدد أربعة استوديوهات أخرى حملت اسم (محمد بابكر), (السماني), (خانجي), (الدوحة) وهي التي عرفت بمجموعة الدوحة وجاءت أحدث من مجموعة كرومة السابقة وهي التي أصبحت فيما بعد نواة للإذاعة في شكلها الرقمي ثم أجريت عمليات تحديث لبعض الاستوديوهات لتكون مجموعة استوديوهات الأزهري على النحو التالي: